حب الوطن عقيدة إيمانية وفطرة بشرية، وأغلى ما يملك المرء دينه ثم وطنه وقيادته وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه كيف لا ؟!
وهو مهد صباه، ومدرج خطاه، ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، ومن أجله يضحي بالغالي والنفيس.
ووطننا الغالي يتفوق على غيره من الأوطان بميزة أصبحت لنا تشريفًا، فهو مهبط الوحي وفيه وُلِد الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه بُعِث إلى البشرية، وفيه قبلة المسلمين قاطبة، وإليه يفد ضيوف الرحمن، كما تحتضن جغرافيته بيت سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: (ما أطيبكِ من بلد وأحبَّكِ إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ)، قالها بلهجة حزينة مليئةً أسفًا، وحنينًا، وحسرةً، وشوقًا.
ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية يُحب وطنه لما قال هذا القول، الذي لو أدرك كلُ إنسان مسلم معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه؛ ولأصبح الوطن لفظًا تحبه القلوب وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.
لأن حب الإنسان للكيان الذي ينتمي إليه أمرٌ طبيعي مفطور عليه، حبٌ أَجَلَّ وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو يعتريه شك، وارتباط روحي تدعو إليه الفطرة، وتؤكد عليه العقيدة، وتحث عليه السنة، واجتمع عليه خيار الأمة.
وينبغي أن يكون منسوبو السلك العسكري أشد حبًا لوطنهم وأكثر جسارة في الدفاع عنه، فَهُمْ الذين حرصت الدولة رعاها الله على تدريبهم أفضل تدريب، وأمدتهم بأفضل أنواع المعدات، وأحدث أنواع الأسلحة، وتكفلت بتدريبهم، وابتعاثهم، وسكنهم، وعلاجهم، وجميع ما يخلق لهم ولأسرهم حياة كريمة، وبيئة محفّزة تمكنهم من بذل المزيد من التضحيات مقابل كل ذرة من ثرى هذا الوطن الطاهر وحفاظًا على أرواح ساكنيه.
ولعل من الشواهد التي لا تخفى على الجميع تضحيات رجال القوات المسلحة في جميع القطاعات العسكرية بأنفسهم ودمائهم، وذلك واجبٌ تُحِتّمُه عقيدتهم السمحة، وفطرتهم السليمة، وبوفائهم منقطع النظير لهذا الوطن الشامخ، واعترافًا بفضله عليهم، وإخلاصًا لولاة الأمر حفظهم الله، وعرفانًا بجهودهم ووقفتهم الصادقة مع وطنهم ومواطنيهم، والتي بقيت راسخة رغم تغير الأزمنة.
ولقد قدمت الدولة لجنودنا البواسل الكثير من الحوافز المادية والمعنوية، ليس لهم فحسب بل تخطت لتشمل أهلهم وذويهم، كما أنها رعاها الله أكرمت المناضل والشهيد، وأغدقت عليهم من الخير الوفير، تقديرًا لجهودهم وإسهامًا منها في رفع روحهم المعنوية التي أبت ولله الحمد أن تتراخى رُغم كل المحاولات الفاشلة والبائسة للنيل من عزائمهم وتهبيط معنوياتهم.
ولعلي أقترح أن يتم تحفيز المجتمع ليقف معم ويؤازرهم ويشجعهم، كذلك ويثني على جهودهم، عبر برامج ومبادرات تتبناها أجهزة الدولة، ويشارك فيها الأب في أسرته، والإمام والخطيب في مسجده، والمسؤول في إدارته، فيما يتوجب على كل مواطن أن يكون رجل الأمن الأول وهو المفروض كذلك، ويساندهم بالإبلاغ عن كل ما قد يؤدي إلى الإساءة الى هذا الوطن الغالي أو المساس بمقدراته.
وأقترح أيضًا أن يحفّز القطاع الخاص والبنوك بالذات لتسهيل تعاملاتهم وتمييزهم عن غيرهم من العملاء، ووضع خصومات مجزية لهم عند الاقتراض أو التسديد، والوقوف الى جانبهم عندما تعترضهم أزمات مالية ونحو ذلك.
كما أن الواجب الأكبر يقع على عاتق مشاهير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؛ وذلك في الإشادة برجال أمننا وجنودنا البواسل دون كلل أو ملل.
ختامًا: دام الوطن شامخًا، ودام السعودي رافعًا رأسه، وأسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، ويقي وطننا من كل سوء ومكروه، ويحفظ جنود أمننا البواسل، وينصرهم ويسدد على طريق الخير خطاهم، ودمتم ودام الوطن بخير.