لا أعلم عن السبب الوجيه الذي دفع بمشايخ الصحوة للوقوف في وجه التطوير والتحديث ومجاراة الدول المتقدمة، وحَجَّم دورهم بالترغيب في التحصيل العلمي والأبحاث، وتسخير المخترعات فيما يخدم الإسلام والمسلمون، ويُنَمي أوطانهم التي كانت إلى عهدٍ قريب منارات علم ومحطات معرفة !!
إذا أخذنا بعين الاعتبار أنهم كانوا في تلك الفترة ضمن جيل الشباب الذي تنعقد عليهم الآمال وتترقبهم الأنظار؛ حيث كانت أعمارهم لا تتجاوز الخامسة والعشرين كما سمعنا على لسان أحد متحدثيهم، وهي مرحلة النضج والتصرف بالعقل والحكمة لا مرحلة الاندفاع والتشدد، وفي هذه المرحلة لا مجال للتغرير بهم٬ ولو ادعوا ذلك.
لكن البعض منهم فَضَّلَ السير وراء أجندة خفية عدائية ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، مدعومون بالمال والأفكار، محظوظون بالوهج الذي يحظى به التيار في تلك الفترة من خلال إفساح المجال لهم في إقامة المحاضرات بالجوامع، والمساجد، وأماكن المهرجانات، والاحتفالات، وظهر لدينا ما يسمى بالعُرس الإسلامي والشيلات الإسلامية، بل وحتى القنوات الإسلامية ومايتعلق بها من أجهزة بث واستقبال، وغيرها من المسميات التي تدعو إلى فك اللحمة الوطنية، والتي ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأننا كلنا مسلمون، وتعدد الآراء لا يفسد للود قضية، كما أن اختلاف العلماء رحمة.
ولكن الهدف، كان خلاف ذلك وحقيقته هي تصادم الحضارات، وعدم قبول الآخر، وسعيًا لإثبات وجود طرف على حساب إنهاء طرف آخر، إذا أخذنا في الاعتبار أنه نشأ لدينا في تلك الحقبة من الزمن تياران متضادان أحدهما متشدد ناحية اليمين، والآخر متشدد ناحية اليسار، وحقيقة الاثنين مشينة، وغايتهم مهينة، وكلاهما مضاد لمصلحة المجتمع، وسببًا في التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
وكانت تلك الفُرقة سببًا في استغلالهم من الأعداء والحاقدين الذين كانوا يطبخون على نار هادئة، ويبدأون في اصطياد المؤثرين في كلا التيارين مرة باستضافتهم في القنوات الفضائية، وأخرى بدعوتهم لحضور احتفالات وطنية في السفارات أو القنصليات أو حتى خارج الوطن، ثم تتوالى الإغراءات؛ لكسب ولائهم، وضمهم إلى صفوفهم؛ ليصنعوا منهم خناجر مسمومة ضد الوطن وقيادته، وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما.
ولا أصدق من ذلك سوى الاعترافات التي أدلى بها رموز من معتنقي التيارين خلال لقاءاتهم التفزيونية في الأسبوع المنصرم.
وفي الوقت الذي نرحب فيه باعترافاتهم، واعتذاراتهم عن ماجنوه بحق أنفسهم ووطنهم وأبنائه الذين غُرِّر بهم فترةً من الزمن؛ فإنه يجب أن نعي تلك الدروس جيدًا، ونؤمن بأننا نعيش في أطهر بقعة على وجه الأرض، وننعم بالأمن الذي قَلَّ أن تجده متوفرًا في كثير من الدول الحاقدة، وننافس على المراكز الأولى عالميًا في جميع المجالات في ظل حكومة راشدة عادلة حازمة عازمة دينها الإسلام، ودستورها القرآن ومنهجها الاعتدال.