داء عضال ، الخلاص لمن أُبتُلِي به محال، يبدأ مع المرء منذ تكاثر المعجبين،وتزايد المخدوعين، وتمجيدهم له والمغالاة في مدحه والثناء عليه، حتى يشعر أن لديه مواصفات خارقة لا يتصف بها أحداً سواه ثم تتصاعد الأنا لديه كلما زاد رصيده أو تعالت إمكانيته في ظل بهرجة من حوله فينظر الى نفسه على أنه فريد زمانه.
هذا الداء الخطير سيؤثر حتماً على صحة صاحبه وعلاقاته وتواصله الاجتماعي ويكثر حوله أصدقاء المصلحة ويخسر كثيراً من الأقرباء والأصدقاء .
بعض المصابين بذلك الداء يتأففون من حضور المناسبات أو المشاركة في الإحتفالات لكونها لا تتناسب مع مكانتهم وبرستيجهم رغم أن هناك من هم أكثر منهم ثراءً وأفضل وجاهةً يشاركون الكبير والصغير أفراحهم وأتراحهم .
ذات مرة دعوت صديقاً يحمل درجة علمية متقدمة إلى مطعم شعبي فاخر،فما إن استقر به المقام إلا وملامحه تشير الى قلق وترقب،ووجلٍ واضطراب ، فسألته عن السبب الذي أدى به الى تلك الحالة التي لا تسر صديق فقال لي: لقد أحرجتني بهذا المكان المتواضع الذي لم يروق لي!!
شعرت لحظتها أنني أمام لقطة بشعة ، هل هناك من يتضخم عنده الشعور الوهمي بسبب حصوله على ” شهادة “أن يرى نفسه محور اهتمام الكون؟! ، وأنه محط اهتمام البشر ، وأن جلوسه مع عامة الناس لايليق بمقامه الذائع الصيت؟!
بعد هذا الموقف ومواقف أخرى تيقنت أن داء العظمة لا يقتصر على الأكاديميين بل يشمل حتى بعض الشعراء والمشاهير وذوي المناصب العالية وإن كانوا متقاعدين لأن ذلك الداء تغلغل في أجسادهم وأصبح جزأً من شخصياتهم .
والمضحك أن بعضهم أصبح لا يرد السلام إلا بتثاقل و لا يتحدث الا بفوقية، ويمشي بخيلاء ولا يجلس الا مع الأثرياء ، ولم يرد بخلده أن يشكر الله على هذه النعمة التي وهبه الله إياها ويتحلى بالتواضع ويجتنب الكبر متيقناً أن البقاء على الحال من المُحال و أن ما بين غمضة عينٍ وانفتاحتها يغير الله من حالٍ الى حالِ.
هذا لايعني أن تلك الحالات الشاذة أصبحت ظاهرة لأن الخير في أمة محمد عليه الصلاة والسلام الى قيام الساعة ولازال بيننا من يحترم الكبير ويعطف على الصغير .
فهناك أناسا يحملون من التواضع وطيبة النفس مايجعلك تحتقر أي حالة كبر قد تعتريك ، وهناك نماذج من كل الأطياف تتمنى أن تقبل جبينه لتواضعه وبساطته ،لأنه استطاع فصل العمل والإنجاز الشخصي عن سلوكه مع الناس.
ختاماً العظمة لله والواثق من نفسه لايحتاج لإثبات وجوده من خلال التعالي على الناس ، والشهادة والتخصص والمال لا تزيده الا شرفاً على شرف لكنها ليست مدعاةً للغرور والتكبر ومن تواضع لله رفعه ،ورحم الله إمرأً عرف قدر نفسه.