كتب رئيس التحرير في هذه الصحيفة النشطة الأستاذ محمد الفريدي عن التحول الفكري للمتسولين في الدول الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية الذين كان همهم ينحصر في الحصول على لقمة العيش من بيع الكتب الممزقة والملقاة على الأرض هنا وهناك.
الا أن حاجتهم وتكاتفهم قادتهم الى ما هو أبعد من ذلك حيث انكفؤوا على قراءة تلك الكتب والإستفادة مما فيها من معلومات الى أن أصبح البعض منهم يشارك في جلسات حوارية وورش عمل ويقدمون رؤى جديدة مستمدة من قراءتهم وتجاربهم معتزين بأنفسهم وما وصلوا اليه طامحين فيما هو أفضل.
ولذلك فإن الاعتزاز بالنفس حق مشروع لكل شخص لديه شغف وطموح يدفعه لتحقيق ماهو أفضل لنفسه ومجتمعه، وهناك الكثير من العلماء والمثقفين يفضلون الاندماج في المجتمع وتقديم ماهو مفيد دون ذكر القابهم ودرجاتهم العلمية تواضعاً منهم وتحفيزاً لغيرهم ولأن الدرجات العلمية من وجهة نظرهم تُقيِّد تحركاتهم وابداعاتهم .
والابداع موهبة تنمو بالافكار وتسمو بالاطلاع وتثمر بالممارسة،ولدينا الكثير من الأدباء والمفكرين العظام لايحملون مؤهلات علمية عالية ومع ذلك اجتهدوا على انفسهم حتى حققوا من الانجازات ما يؤهلهم لحصد براءات الاختراع والجوائز العالمية التي تخضع لمعايير وتقييمات عالية ولا يفوز بها سوى عدد محدود على مستوى العالم.
وذلك يؤكد أن المؤهلات العلمية العالية ليست وحدها مطلباً للتفكير والابداع اذا لم يتوفر العقل الذكي والفكر النير الذي يستفيد من تلك المؤهلات ويسخرها لما يفيده ويفيد مجتمعه، وعلى مر التاريخ هناك مبدعون لم يتمكنوا من الحصول على الشهادات العالية والدعم الكافي ومع ذلك قدموا للبشرية خدمات راقية عالية الجودة لا زال أثرها وتأثيرها حتى الآن.
توماس إديسون مثلاً مخترع المصباح الكهربائي لم يلتحق بالمدارس سوى ثلاثة أشهر فقط وحقق انجازاً تستفيد منه البشرية حتى الآن ، وبيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت لانتاج البرمجيات رغم تميزه في جامعة هارفارد تركها لادراكه أنها ليست الأفضل لطموحه، وكذلك العالم الفيزيائي إسحاق نيوتن لم يحرز تقدمًا في مدرسته؛ فأخرجته والدته من المدرسه ثم على يديه وضعت أهم قوانين الجاذبية.
كذلك في وطننا العربي برز عباس محمود العقاد كأفضل الأدباء في الوطن العربي رغم عدم استطاعته مواصلة تحصيله العلمي واقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، حيث ولد ونشأ هناك، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان. واعتمد العقاد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا؛ حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للأجانب من السائحين المتوافدين لمحافظتي الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والاطلاع على الثقافات البعيدة.
تلك بعض الأمثلة ولدينا في المملكة العربية السعودية الكثير من المبدعين في جميع المجالات كان الشغف والطموح والابداع دافعاً لهم لتقديم مايثري الساحة في مختلف التخصصات بعضهم لا زالوا على مقاعد الدراسة في التعليم العام والبعض الآخر اصبح يشار اليه بالبنان في الكتابة والتأليف ، وبتوفيق الله ثم بالدعم السخي من ولاة الأمر يحفظهم الله حققوا الأهداف ونالوا براءات الإختراع وحصدوا الجوائز العالمية كلاً في مجال موهبته.
هذا لايعني تجاهل العلم والتعليم أو التقليل من شأنها فقد حث عليها ديننا العظيم وشريعتنا السمحة ويكفينا إقتداءً برسولنا الكريم حيث أن أول آية نزلت عليه أمرته بالقراءة، وهناك الكثير من الآيات القرآنية تدعو الى التفكر وتحث عليه، وكلما زاد الاطلاع كلما نمت الموهبة.
بقي أن أشير الى أن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو تحفيز رئيس التحرير كما ذكرت في البداية عندما كتب مقاله المعنون ب ( شحاذ في مجلس الشورى !!!) وكذلك ماصرح به أحد كتاب الرأي في صحافتنا الوطنية ممن نعتبرهم قدوات لنا في كتاباتهم وعمق تفكيرهم وحصافة رأيهم وهو الكاتب الكبير الأستاذ محمد الرطيان حيث ذكر عبر إحدى تغريداته بتويتر أنه لا يحمل حتى الشهادة الثانوية !!!
ايضاً هناك في وطننا الحبيب العديد من الأدباء والشعراء والكتاب الذين افادوا وأجادوا دون أن تكون الشهادة العلمية العالية شرطاً لإبداعهم .
وذلك ما يؤكد عنوان مقالي بأن ((الشهادات ليست شرطاً للإبداع )) .